القودة عادة صعيدية (خالصة) تفتقت عنها عقول الفرسان
قديما كحل بديل عن القصاص ووسيلة رادعة تقوم مقام العفو المشروط, والقودة
هى ان ياتى القاتل الى اهل القتيل حاملا اكفانه فوق راسه حافيا حاسر الراس
مجرورا من عنقه كما تجر الماشية, وحوله زفة من كل الاطياف والالوان جاؤا
ليشهدوا اعتذاره العلنى وليباركوا حقن الدماء, وعندما يصل القودة الى
بيت القتيل ينام على الارض بجوار كبش الفداء وينطق بكلمة الاعتذر, ويخير
اهل القتيل بين القتل او العفو و افتدائه بالكبش, وبالطبع سيختار اهل
القتيل افتدائه فهم اكرم واعز من رفض روح جاءت اليهم تحمل اكفانها, وهنا يتقدم
ولى الدم ويذبح الكبش وتتعالى التكبيرات وترتعش الحروف فالعفو شيمة
الكبار والعفو اخلاق الفرسان, وسرعان ما يحتضن القاتل اهله واهل اخيه المتوفى,
ويحقن الدم وتتورد الوجوه بدماء المودة وتذوب على صخور التكبيرات كل
الاحقاد, وترتفع الضحكات مع زغاريد النساء,تلك الزغاريد الخارجة من نفس
المنزل الذى خرجت منه روح القتيل مقتولة تشيعها صرخات الكره ونحيب الوعيد,
هذه هى القودة وهذه هى اخلاق الصعيد واخلاق الفرسان, لم تكن القودة فى
يوم من الايام ضعفا او استسلام بل هى اعلى درجات الكرم وانبل درجات
العفو(من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناسجميعا ومن أحياها
فكأنما أحيا الناس جميعا } ان اخلاق الصعيد حينما تختار العفو فهو عفو
غير مدفوع او مشروط, فالصعيدى لا يقبل الديه اما ان يقتل او يعفو فهو لا
يتاجر بدماء احبابه(رغم ان الدية حلال) لكنه نبل العفو فى حين انه فى دول
الخليج تصل الدية لملايين الدينارات حتى يعجز اهل القاتل ويخرجون للشارع
يتسولون ثمن العفو فما انبل الصعيد وما انبل رجاله اما مسالة الكفن والمشى
حافيا فهذا اقل ادب يؤدب به شخص رفع سلاحه فى وجه اخيه واستلب روحه بغير حق
حتى ان بعض القتلة يحاولون
الانتحار قبل الوصول الى مكان التصالح او يموتون فى الطر يق ويغمى
عليهم من هول الموقف, وما اصعبه من موقف, حيث القاتل مجرور وكفنه حول
عنقه, لكن الاصعب منه هو دموع اليتامى على روح ابيهم
المقتولة بغير وجه حق ويحكى
لنا الاقدمون عن اعراف كانت موجودة على
عهدهم وانقرضت حاليا ومنها ان القاتل بعد وصوله الى بيت اهل القتيل يصبح واحدا منهم بمجرد قبوله والعفو عنه
واذا قتل هذا القودة فان اهل القتيل هم من ياخذ بثاره واذا مات طبيعيا فلابد ان ياتون ليغسلوه ويكفونه وينزلون معه القبر
يلحدونه فهو طبقا لقانون القودة
اصبح ابنهم ويكفن بنفس الكفن الذى حمله على راسه يوما ما بل انهم ينصبون ويتلقون العزاء فيه كانه ابنهم فعلا
فهل بعد هذا النبل من نبل اذا فالقودة حين يحمل اكفانه فانه ينتزع كل الحقد من القلوب حتى يصبح
القاتل ابنا لولى الدم (فسبحان مقلب القلوب) فما
اعظم القودة وما اعظم من يعفو وما
اطهر الارض التى حملت حامل الاكفان وحوت فى باطنها روحا تكبر من داخل الاكفان وتعفو حين يعفو خالق العفو
اللهم اعفو عنا فانا قد اتينا اليك نجر الاكفان
اطهر الارض التى حملت حامل الاكفان وحوت فى باطنها روحا تكبر من داخل الاكفان وتعفو حين يعفو خالق العفو
اللهم اعفو عنا فانا قد اتينا اليك نجر الاكفان
0 تعليقات
شاركنا تعليقك، وتذكر انك محاسب امام الله على ما تكتبه