نظرة على تاريخ قبيلة جهينة

صحراء القصير أو المنطقة الواسعة من الصحراء الشرقية مابين القصير وقنا لعبت فيها عددا من القبائل دورا تاريخيا كان له أثره وكانت هذه القبائل تارة تتصالح مع بعضها البعض وتارة يشتد بينها النزاع إما على موارد الماء أو علي سيادة المنطقة وكانت القصير في أغلب الوقت رهينة لتلك الاحداث والحوادث بين هذه القبائل التي أتي معظمها من شبه الجزيرة العربية. 

فمنهم من أتي قبل الفتح الاسلامي ومنهم مع الفتح الاسلامي لمصر ومنهم من جاء بعد القتح الاسلامي بكثير أهم تلك القبائل ( جهينة - والمعازة- والحويطات - قبائل البجة - والعليقات) وكانت احيانا تشارك بعض القبائل العربية الاخرى النزاع على فترات متقطعةمثل بني هلال والعزايزة وغيرهم الا أن هذه القبائل لم يستمر بقائها طويلا مثل القبائل الأولي وسوف نعرض بشي من التفصيل تاريخ بعض هذه القبائل في مقالات قادمة ان شاء الله



 قبيلة جهينة: 

 ﴿وأصلها من قضاعة «القحطانية، سكنت الحجاز وكثير منها لا يزال هناك إلى الآن في ينبع وما جاورها، وكانت جهينة من أولى القبائل التي اعتنقت الاسلام، وقد حضر فرع من جهينة فتح مصر وترجع القبائل الجهينية بنسبها إلى عبد الله الجهني الصحابي﴾. 
 ﴿تعد قبيلة جهينة من أكبر القبائل العربية، وينتسب لها حجم كبير من الصحابة، ولهذا يحلو لكثيرين من جهينة أن يطلقوا عليها قبيلة الصحابة﴾ نزلت جهينة مصر أيام الفتوحات الاسلامية مع جيش الراية بقيادة (عمرو بن العاص) سنة 43هـ. 


وانتشروا بعدها في منطقة الأشمونين جنوب المنيا ثم اتجهوا جنوبا نحو سوهاج والنوبة جنوبا. وقد سجل التاريخ الاسلامي ولاية الصحابي عقبة بن عامر الجهني رضى الله عنه على مصر سنة 44هـ زمن خلافة معاوية بن أبي سفيان. ﴿وأخذ اسم جهينة يظهر مقترنا بكثير من الأحداث السياسية التي شهدتها المنطقة، ورأيناها تساهم أفرادا و جماعات في الأحداث الهامة التي كان لها أثر كبير في نشر الاسلام، و من أولى أعمال جهينة التاريخية أن قام أفراد منها بالاستخبارات لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عير قريش القادمة من الشام اليها حتى ينبع، ولم تكن ينبع بعيدة عن بدر التي وقعت فيها أولى المعارك الفاصلة بين الشرك والإسلام، و في هذه المعركة شارك أفراد من جهينة خوض غمارها وعلى أرض جهينة بمنطقة ينبع لوقوعها على طريق القوافل التجارية بين الحجاز والشام، وكانت ميدانا لأحداث عديدة بين قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم

 فدارت فيها غزوات عدة وساهمت فيها قبيلة جهينة بمناصرة الاسلام : سرية العيص، وغزوة بواط والعشيرة وغزوة العشيرة كانت في جمادي الثانية في العام الثاني للهجرة قوامها مائة وخمسين من المهاجرين﴾.( ) وارتبطت جهينة بالكثير من الأحداث قبل الإسلام وبعده، خاصة وأن موطنها يقع في منطقة تشرف على البحر الأحمر، كما كانت بلادهم تقع على الطرق الواقع بين مكة والمدينة، وهي منطقة تشرف على طريق التجارة بين الحجاز والشام، وإن كنا لا نعرف للجهنين إلا القليل من المشاركات لأي الغزوات قدر شهرة هذه القبيلة، وتشير كتب السيرة على أن جهينة في عدة أحاديث، ومنها ما يرويه البخاري أنه قال ﴿ قريش والأنصار وجهينة مزينة ليس لهم مولى دون الله ورسوله﴾( ) ومما يشير أيضا لمكانة جهينة أنها ارتبطت ببعض المأثورات، ومنها" وعند جهينة الخبر اليقين.."﴾.



يعد فتح مصر مرحلة فارقة في تاريخ قبيلة جهينة واستقرارها بمصر، فإن عدداً كبيراً منهم قدموا إلى مصر مع عمرو ابن العاص، ومنهم من أتى إليها بعد الفتح العربي، وطاب لهم المقام بها. ثم توغلت جماعات منهم بعد ذلك جنوباً، وازدادت أعدادهم حتى صارت بطون جهينة أكثر جماعات العرب بالصعيد. وقد لعبت هجرات الجهنين دوراً كبيراً في تعريب مصر وشعبها، وكذلك بلاد النوبة.﴾ 


 وعن قبيلة جهينة في الصعيد، يقول المقريزي: 
﴿وهي قبيلة عظيمة، وفيها بطون كثيرة، وهم أكثر عرب الصعايدة..﴾. 

 وقد أشار القلقشندي إلى الاتفاق الذي تم بين بلي وجهينة في أكثر من مكان. جاء في المكان الأول ما يلي: "كانت جهينة بالأشمونين جيراناً مع قريش كما هم بالحجاز، فوقع بينهم واقع أدّى إلى دوام الفتنة، فلما أتى العسكر المصري لإنجاد قريش على جهينة خافت بليّ فانهزمت إلى أعلى الصعيد، إلى أن أُديلت قريش وملكت أماكن جهينة، ثم حصل بينهم جميعاً الصلح على مساكنهم التي هم بها الآن، وزالت الشحناء من بينهم، ثم اتفقت جهينة وبليّ على أن يكون لجهينة من المشرق من عقبة قاو الخراب إلى عيذاب. ولبليّ من جسر سوهاج إلى قريب من قمولة." 


 وفي القرن الرابع الهجري (10 م) أنزل الفاطميون القرشيين في مدينة أشمون على النيل بين المنيا وأسيوط بجوار جهينة فاستقروا بها حتى أصبحت أشمون تعرف بديار قريش. ويبدو أن عدد قريش قد تكاثر بالصعيد ودخلوا في منازعات مع قبيلة جهينة فخرجت جهينة من أشمون للقرشيين واستقرت بجوار بلي في منطقة أخميم علي النيل. وذكرت المصادر أنه كانت هنالك بعض الخلافات والعداء بين قبيلتي بلي وجهينة حتى دخول القرشيين، فاتفقت القبيلتان واستقرتا جنوب الأشمونيين. 

 وقد وضح المقريزي في كتابه "البيان والاعراب" الاتفاق الذي تم بين جهينة وبَلي في الاستقرار جنوب الأشمونيين كما يلى: "ثم اتفقت هي [بلي] وجهينة فصار لبلي من جسر سوهاج غرباً إلى قريب من غرب قمولة، وصار لها من الشرق من عقبة قاو الخراب إلى عيذاب" ووضح عبد المجيد عابدين أن قاو الخراب من البلدان المندرسة في مركز البداري بمديرية أسيوط.

 وبناءً على هذا فإن نصيب قبيلة جهينة قد امتد في شرقي النيل حتى عيذاب وليس كما ذكر ماكمايكل – ونقل عنه مصطفى مسعد - أنه بعد الصلح بين بلي وجهينة استقرت بلي في المنطقة الواقعة بين مصر وميناء عيذاب . ولم يوضح ماكمايكل مصدره، وقد أشار في الحاشية إلي خطط المقريزي ولكنني لم أعثر على النص في الخطط. ونزح جماعة منهم في وقت مبكر إلى أرض المعدن في نهاية القرن الثالث الهجري.

 وقد أشار القلقشندي إلى الاتفاق الذي تم بين بلي وجهينة في أكثر من مكان. جاء في المكان الأول ما يلي: "كانت جهينة بالأشمونين جيراناً مع قريش كما هم بالحجاز، فوقع بينهم واقع أدّى إلى دوام الفتنة، فلما أتى العسكر المصري لإنجاد قريش على جهينة خافت بليّ فانهزمت إلى أعلى الصعيد، إلى أن أُديلت قريش وملكت أماكن جهينة، ثم حصل بينهم جميعاً الصلح على مساكنهم التي هم بها الآن، وزالت الشحناء من بينهم، ثم اتفقت جهينة وبليّ على أن يكون لجهينة من المشرق من عقبة قاو الخراب إلى عيذاب. ولبليّ من جسر سوهاج إلى قريب من قمولة." 


 وحاليا تنتشر جهينة بمصر في سوهاج ومحافظة الشرقية وقنا ومحافظة القليوبية، وأهم قبائل جهينة بمصر رفاعة، وقسم كبير يحتفظ باسم (قبيلة جهينة) أو (الجهني). ومنهم من هاجر قبل ألف عام من ينبع النخل، مثل سعيد بن زاهر بن زهير الحصيني الجهني ومعه عدد من المراوين وسنان وغيرهم، واستقروا بمنطقة قنا، وسموا المنطقة التي سكنوها حجازه نسبة للحجاز، وكان لهم دور عظيم بتحرير مصر من الاستعمار، ومازال أبناؤهم معروفين بقنا بمصر ولعبوا دوراً كبيراً في مقاومة الاستعمار.

 وابرز ادوارهم في العصر الحديث مقاومة الحملة الفرنسية ا صحبة الشيخ محمد الجيلاني الذي اختار من مكان تمركزهم مركزاً لقيادة المقاومة وإدارة جيشه حتى مات ودفن في اراضيهم. وكانت منازل جهينة في الحجاز تمتد من غرب المدينة بمحاذاة البحر وما حوله إلى فيض وادي الحمض في البحر فتشمل السلسلة الجبلية والجبال الواقعة غرب المدينة وشمالها ومنطقة ينبع بكامل أوديتها، وهي المناطق التي ذهب الشيخ الجيلاني بنفسه يدعو لجهاد الفرنسيين. فاستجابوا له، ﴿وكان استقرار جهينة على ساحل البحر الأحمر، أو بالقرب من الموانئ التي تطل عليه، له دور كبير في تسهيل عبور جماعات من جهينة إلى مصر وسودان النيل، وهو ما جعل جهينة من أكثر البقاع التي سكنت تلك الأصقاع بعد أن فتح مصر، وظلت بلاد ينبع وما جاورها وطناً أصيلاً لجهينة﴾ 


وتذكر بعض المصادر أن عدد المتطوعين من أبناء جهينة تجاوز الأربعة آلاف. أما قبيلة حرب فبلغ عدد مقاتليها المتطوعين ما يقرب من ثلاث آلاف مقاتل.

 وانضم لأبناء جهينة القادمين من الحجاز أبناء عمومتهم ممن استقروا بصعيد مصر فقويت شوكتهم، وزاد بأسهم، وضربوا أروع الأمثلة في الشجاعة والإقدام. والعديد من مناطق جهينة في مصر قد تعرضت للهجوم الفرنسي، ولكن أبطال جهينة أبلوا أحسن بلاء، ولقد ذكرت ذلك العديد من المصادر والمراجع والكتب والمتتبع لأخبار المناطق هناك ليشهد بشهادة الحق لهذه القبيلة ولفرسانها الشجعان على ما قدموه لمصر في مقاومة غزاة متكبرين.

 جهينة قبيلة كبيرة لها فروع كثيرة وهي من أشهر فروع قضاعة اليمنية التي دخلت مصر بعد الاسلام. وكانت قبيلة جهينة مقيدة ضمن أهل الراية في ديوان الفسطاط منذ عصر عمرو بن العاص.

 ثم انفصلت لتدون مع قبيلة بَلي عام 102 هـ/ 720م تحت قضاعة. وبعد وقف دفع العطاء لقبائل العرب في عصر الخليفة العباسى المعتصم 217 -227هـ/833-842م استقرت جهينة في مناطق الاشمونيين وأسيوط بصعيد مصر. وقد وضح المقريزي في كتابه "البيان والاعراب" الاتفاق الذي تم بين جهينة وبَلي في الاستقرار جنوب الأشمونيين كما يلى: 

"ثم اتفقت هي [بلي] وجهينة فصار لبلي من جسر سوهاج غرباً إلى قريب من غرب قمولة، وصار لها من الشرق من عقبة قاو الخراب إلى عيذاب" ووضح عبد المجيد عابدين أن قاو الخراب من البلدان المندرسة في مركز البداري بمديرية أسيوط. "" 


 وبناءً على هذا فإن نصيب قبيلة جهينة قد امتد في شرقي النيل حتى عيذاب وليس كما ذكر ماكمايكل – ونقل عنه مصطفى مسعد - أنه بعد الصلح بين بلي وجهينة استقرت بلي في المنطقة الواقعة بين مصر وميناء عيذاب . ولم يوضح ماكمايكل مصدره، وقد أشار في الحاشية إلي خطط المقريزي ولكنني لم أعثر على النص في الخطط. ونزح جماعة منهم في وقت مبكر إلى أرض المعدن في نهاية القرن الثالث الهجري."


 النص الأول جعل المنطقة الشرقية حتى صحراء عيذاب من نصيب قبيلة جهينة وليست من نصيب قبيلة بلي. والنص الثاني جعل بلي تتراجع جنوباً على النيل وليس شرقاً في الصحراء. وهذا نفسه ما ورد في النص الأول الذي فسر فيه أعلى الصعيد "من جسر سوهاج إلى قريب من قمولة." بينما حدد النص الثالث منطقة جهينة مختلفةً عما سبق. فقد "صار لها من الشرق من عقبة قار الخراب إلى عيدان" فإذا قبلنا أن "قار الخراب" بحرف الراء في "قار" تحريف بسيط لقاو الخراب، من الممكن الوقوف قليلاً مع "عيدان" التي وردت في النص في مكان عيذاب. ويبدو محتملاً أن لا يكون ميناء عيذاب هو الاسم الصحيح في أصل الاتفاق. لأن المنطقة ما بين النيل وصحراء عيذاب منطقة واسعة وليست ملكاً أو تحت دائرة نفوذ قبيلتي بلي وجهينة ليحددا مصيرها ويجعلانها مقرا أو منتجعاً لقبيلة جهينة فقط، فهذا شىء لا يملكانه. وفي واقع الأمر فقد كان بعض أفراد قبيلة جهينة يتجول في صحراء عيذاب أو الصحراء الشرقية إلى جانب بعض أفراد القبائل الأخرى فقد ورد تواجد جهينة في الصحراء شرقى النيل كما يتضح من نص ابن بطوطة الذي مرّ بالمنطقة عام 732هـ/1333 م. "ثم ركبت البحر بعد ذلك في صنبوق برسم عيذاب، فردتنا الريح إلى جبل يعرف برأس دواير وسافرنا منه في البر مع البجاة. ووردنا ماء كثيرة النعام والغزلان، فيها عرب جهينة وبني كاهل وطاعتهم للبجاة. ووردنا ماء يعرف بمفرور، وماء يعرف بالجديد. ونفذ زادنا فاشترينا من قوم من البجاة وجدناهم بالفلاة أغناماً وتزودنا لحومها ورأيت بهذه الفلاة صبياً من العرب كلمني باللسان العربي وأخبرني أن البجاة أسروه، وزعم أنه منذ عام لم يأكل طعاماً… وبعد مسيرة تسعة أيام من رأس دواير، وصلنا إلى عيذاب ... واكترينا الجمال وخرجنا صحبة طائفة من عرب دغيم …ووصلنا إلى قرية العطواني، وهي على ضفة النيل، مقابلة لمدينة إدفو من الصعيد الأعلى." يتضح من النص أن سلطة البجة كانت قوية ومستقرة لدرجة كانت القبائل العربية المتجولة في المنطقة مثل قبيلة جهينة وبني كاهل تحت حكمهم.كان البجة يسيطرون ويحمون طرق التجارة من حاضرتهم مدينة سواكن والمناطق الواقعة إلى الجنوب والشمال منها. ويبدو أن أمراء مكة وجدة - سعياً وراء استقرار أمن وسلامة الطرق التجارية - قد تصاهروا مع البجة.

 فقد كان سلطان جزيرة سواكن كما ذكر ابن بطوطة حين وصلها: "الشريف زيد بن أبي نمي، وأبوه أمير مكة، وأخواه أميراها بعده ... وصارت إليه من قبل البجاة، فإنهم أخواله ومعه عسكر من البجاة، وبني كاهل وعرب جهينة" وكان اختلاط أولاد كاهل بالبجة قويا بحيث أصبحوا يتحدثون لغة البجة كما قال ابن بطوطة "بني كاهل، مختلطين بالبجاة، عارفين بلسانهم"

 المراجع 
 طه حسين الجوهري :كتاب بونابرت والرجل النبيل مقالات د احمد الياس حسين

إرسال تعليق

0 تعليقات