الجبانة

 



الجبانة مكان يبعث على الضيق والانقباض ذكر اسمها يذكر بالموت ومن يحب الموت هى مكان ندخله لنلقى ما على اكتافنا من حمل ونهرول عائدين بسرعة خائفين الا نخرج منها واخر شئ ممكن تذكره هو اننا كما حملنا غيرنا سنحمل اليها فهى لا تنسى احد, اسمى واسمك مكتوب على ترابها منذ الازل, كل شبر فيها مسجل باسم صاحبه, ولا يحق له البيع او التنازل, هى اكثر عدو لنا!! اليست هى من سرق منا احبابنا وانتزعتهم من بيننا, لكنها من منظور اخر هى ارض حوت كل احبابنا فهناك ترقد كل القلوب التى نحبها امنة فيها,تحتضنهم وتحافظ عليهم حتى تسلمهم الى الخالق يوم الفزع الاكبر
والجبانة او المجنة هى جزء من تراب هذا البلد وهى مشاع عام لا يملكه احد بل هو ملك للجميع, فالموت لا يورث بل يرث الارض ومن عليها, هذه الجبانة كما يحكى الاقدمون لم تكن فى مكانها الحالى!! بل كان موقعها هو السويقة عندما لم يكن يسكن القرية احد! فقد كان الناس يسكنون داخل الكتلة الزراعية فى عزب واخواص يسكنون على ارضهم وجوار محاصيلهم الا قليل منهم, ولهذا كانت الجبانة قريبة من مدخل البلد وقريبة من الاراضى الزراعية, وحين زحف العمران عليها واقلقت اصوات البنائين الموتى فى قبورهم, اثروا الرحيل لينعموا بهدوء الموت, فبدات عملية التراجع للخلف, والدليل على تراجعها البطئ هو ووجود قبور تم العثور عليها فى مدرسة حجازة الثانوية! وجثامين طاهرة رفضت الارض ان تاكلها ومن هذه الجثامين جثمان لفتاة كانها ماتت بالامس!! رغم مرور عشرات السنين على موتها ,جسدها الطاهر باق كما هو!!! وكفنها الابيض مازال ابيض ناصع البياض, ورائحة الطيب تنبعث منها, وعند سؤال كبار السن اكدوا انها فتاة توفت فى ايام عرسها واختارت الموت عريسا والقبر مخدع وانهم يذكرون هذا الامر والله اعلى واعلم وهكذا استمر زحف الجبانة حتى وصلت الى مكانها الحالى ولا اظنها ستواصل الزحف ثانية؟ فقد قام بعض من ابناء قريتنا بالبناء وراءها

 

 

 

 واوقفوا زحفها وخنقوا موتاها وضيقوا قبورها- نسال الله ان يوسع علينا ولا يضيق- ان هذه المساحة المحدودة للجبانة مع هذه الكتلة السكنية الضخمة لهو امر يبعث على عدم الاطمئنان للمستقبل, فالناس تزيد وتزيد وحجم الجبانة لن يزيد بعد الان طالما ان هناك من يردد دائما ان الاحياء اولى من الاموات
والجبانة مسئول عنها تطوعا عائلة طيبة مباركة يعرفها الجميع ويحبها الجميع فعلى ذراعيهم حملت اجساد الاحباب وبجهودهم سترت العورات ومع تراب القبر دفنت الاسرار فالسنتهم مغلقة كقبورهم التى يحفرونها لا يحملون كرها لاحد ولا يتدخلون فى شئون احد اختاروا العزلة مع الاموات فالاموات اكثر رحمة واخلاقا ولا ياتى العيب من ميت ابدا, انهم رعاة الارواح وجيران احبابنا فمعهم تسكن امى وامك وقلبى وقلبك امانة بين ايديهم, وهم الى جوار حفر القبور يقومون بحراسة المكان والمحافظة على طهارته وقدسيتة ومنع التجاوزات هناك, وحماية القبور من نبش الذئاب والكلاب والثعالب ويقومون باعمال السقاية ورعاية المسجد وهم فرع من قبيلة من قبائل القرية العظيمة وان كان الكثير يعتقدون انهم اغراب عن القرية وكان لهم قديما معزة وقدسية
عند القدماء من اجدادنا يعرفون فضلهم وحقهم ودورهم المهم فلا يقصروا معهم فى شئ ولا يبخسونهم اى حق من حقوقهم بل هم مقدمين دائما وعلى اى شئ مأتمنين بلا كبر ولا غطرسة ولا تعال فى الارض وكما قلت من قبل فان

 الجبانة ليست ملك احد بل هى ملك الجميع والقائمون عليها يقومون بعملهم
تطوعا واسترزاق ولهذا فهى مهملة ليس لها سور يحفظ حرمتها ويحمى قدسيتها من بول الكلاب ونبش قبور الموتى بواسطة الثعالب ولا يوجد بها مظلات او اشجار لتحمى المشيعين من حرارة الشمس ومسجدها صغير جدا وتوجد به مشاكل من ناحية استمرارية الماء فى الخزان وحماماتها سيئة جدا الى جانب انها تحولت الى مقلب للقمامة على يد الجهلاء ممن لا يعرفون حرمة القبور, فيوميا تجد القلابات وعربات الكارو ترمى القمامة على اطرافها والبعض ياتى ليرمى الجيف والرمم من المواشى الميتة دون ان يكلف نفسه عناء الحفر وتغطية الجيفة بالتراب بل يلقيها لتدنس ارض المقبرة وتؤذى العابرين بروائحها وقد لاحظت هنا فى المملكة العربية السعودية ان المقابر تؤجرلافراد او مؤسسات باجر زهيد تحت مسمى دار اكرام الموتى فيقوم الشخص المستاجر بعمل سور مضاء على حسابه وعمل باب للمقبرة وتوفير حمامات ادمية وعمل مسجد ملحق به مغسلة اموات وزراعة بعض

 

 

 الاشجار الظليلة على حواف المقبرة لتكون رحمة للاموات والاحياء ويوفر مساقى مياه للزائرين ويعمل على اضاءة المكان لبعث الامن فى قلوب القادمين للدفن ليلا ولحماية المقابر من ابناء الليل والسكارى وجبانة حجازة على ذكر ابناء الليل تحدث فيها عجائب احيانا فياتيها المتريضون اى المشعوذون القادمين لعمل رياضتهم الروحية ويقيمون بها ايام لا ياكلون خلالها الا خبز الشعير والليمون وهى رياضات كهنوتية يتخللها طقوس عبادات للشيطان وملوك الجان مع اطلاق البخور والعزائم وحرق الطلاسم وايضا يزورها ليلا الباحثون عن ماء العيون اى اقتلاع عيون الموتى والحصول على الماء منها لعمل تعاويذ تستخدم فى اخراج الكنوز واللقايا لكن حراس المقبرة لهم بالمرصاد وهناك من جاء يبحث عن كفن فبعض الطلاسم يشترطان تكون مكتوبة على كفن ميت لكى تؤدى عملها وبالتالى ياتى الدجال الى المقبرة لينبش قبر ميت ويكشف ستره وياخذ الكفن لعمل طلاسمه وايضا والتعاويذ حراس المقبرة له بالمرصاد ومن زوار الجبانة اي ضا الجاهلات ممن ياتين للطواف حول القبور بحثا عن حمل مفقود او زواج تاخر او لفك عمل وادرار اللبن فهن مرسولات من طرف دجال وعليهن التنفيذ بالطواف وجمع التراب واخذ ماء مقدس من حمام الجبانة واشهر الزيارات هى زيارة العيد حيث تاتى النساء من كل حدب وصوب قاطعات فرحة العيد ساحبات اطفال صغار يرفلون فى ثيابهم الجديدة ومعهن طفلات فى عمر الزهور بفساتينهن اللامعة ومشيتهن المتعثرة فى الحذاء الجديد وشعورهن التى سمح لها بالتمرد والخروج ليوم واحد فقط تعود بعدها لتسكن تحت المنديل هؤلاء البنات الصغار المحتاجات للفرحة ياتين مع امهاتهن وحناء ايديهن لم تجف بعد صلاة الفجر الى هذا المكان القابض ليكون عيدهن بين القبور وهناك على القبر امراة ارتدت افخر مالديها وتحنت واظهرت ما لايجب ان يظهر ورائحة طيبها تغمر المقبرة جاءت لكى تزور المرحوم زوجها وتؤكد له انها ما زالت تحبه لكنها وحيدة ومضطرة للزواج لان ظل رجل ولا ظل حيطة وتخرج علبة سجائر كليوباترا سوبر وتشعل سيجارة وتغرسها فى تراب القبر فهذه هدية الوداع فالمرحوم كان يحب السوبر وكلما انتهت سيجارة اشعلت له الاخرى حتى يتكيف ويسهل اقناعه واخرى خبزت كل دقيق المنزل وجاءت بالكعك توزعه على الايتام والبنات الصغار وهى مشتاقة للمرحوم والى حكاياته فجلست تشكى له وتحكى عن مشاكل الاولاد وعن عريس ابنته الجديد

 

 

 وعن امه التى لاتزورهم الا فى المناسبات وتجلس هكذا حتى تلسعها شمس الظهيرة فتستاذن من المرحوم وتوعده بزيارة ثانية العيد القادم وهذه طبخت بامية( بورانى) باللحم الضانى واحضرت الطبخة معها وسكبتها على قبر (الشيف الذواقة) لينعم باكلة ترم عظمه لان اكلهم فى القبر مش ولا بد
واخرى مخلصة جدا جاءت تحمل احزانها ودموعها كان الحبيب مات بالامس تجلس تبكى حتى تمل البكاء وتعود من حيث جاءت فهنا لايوجد افراج او خروج بكفالة انها عادات وتقاليد ذهبت وولت والباقى منها فى طريقه للانقراض لكن لن تتوقف زيارة المقابر ابدا سيختلف الاسلوب لكن زيارة الاحباب لا تنقطع والذكريات لايمكن ان يحتويها قبر وهى تاريخ حجازة وتاريخ فرسانها ومهبط ارواحهم الطاهرة وبين ترابها مدفون تاريخ الفرسان, كم من عظيم تحت ترابها وكم من فارس غيبته فى حفرها هناك يرقد الاباء المؤسسون والبناة العظام الذين بنوا هذه البلدة واعلوا رايتها يرقدون جميعا فى سلام الكبير مع الصغير والقائد مع الجندى فكما عاشوا فوق الارض اخوان جاؤا الى هنا اخوان فى المصير وفى الاحلام والتاريخ انها مراقد مقدسة لعظماء صنعوا التاريخ وصنعونا نحن ولوخرج الفرسان من قبورهم مرة اخرى ونظروا نظرة الى القرية فربما حاربونا نحن واعتبرونا اشد عداءا

للقرية من الاعداء الذين حاربوهم وربما اختاروا العودة الى القبور هاربين باحزانهم وانكساراتهم التى كنا نحن السبب فيها فقد ضيعنا الارث وبعنا السيوف لتجار الخردة ولو تحدثت القبور لحكت تاريخ الفرسان وغنت واشعرت اناشيد الفخر والبناء

 




 

 

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات