نقل عن جريدة البيان
النحت في الخشب من أقدم الفنون التي عرفتها البشرية، واشتهرت به العديد من الدول من بينها مصر والهند وتركيا، التي تجلى تألق مبدعيها في هذا الفن وأخرجوا تحفًا فنية لاتزال خالدة إلى الآن
لكن كغيره من الفنون القديمة يكاد هذا الفن الجميل أن يندثر أمام طوفان العولمة، فما تبقى منه مجرد مهنة للقليلين في مجال الأثاث، غير أن هناك قرية مصرية تقف صامدة أمام محاولات اندثار هذا الفن العريق، لما له من تاريخ عريق ورونق عالٍ وقيمة جمالية وفنية منقطعة النظير. في صعيد مصر، يعرف الكثيرون من العرب والسياح الأجانب «قرية حجازة» - إحدى القرى التابعة لمحافظة قنا - هذه القرية التي أخذت من هواية النحت في الخشب سبيلاً لتُغير مصير أبنائها، وحاولت من خلالها محاربة الفقر والبطالة على مدار نصف قرن مضت من الزمان. حنا بطرس - 38 عاما - أحد أشهر أبناء القرية، ويعد من جيل الرواد الذين تعلم فن النحت في الخشب.. يقول عن بداية علاقته بهذه الهواية: عشقي لفن النحت على الخشب بدأ منذ نعومة أظافري، فقبل ثلاثين عامًا جاء إلى القرية مجموعة من الأجانب وأغلبهم من الفرنسيين لا يعرفون شيئًا عن أبناء حجازة سوى أنهم يعانون من الفقر.
وبدلاً من إعطاء القرية أموالاً تنتهي بمجرد إنفاقها وتعود إلى ما كانت عليه من ضيق الحال قاموا بتعليم أطفال وشباب القرية إحدى الحرف بهدف مساعدتهم في الحصول على رزقهم، وكان ذلك بداية معرفة القرية بفن النحت في الخشب.
لم تكن البداية سهلة أمام أبناء القرية، حيث اختار الأجانب سبعة فقط من أبناء القرية لتدريبهم، وكنت واحدًا من هؤلاء المتدربين، الذين كانوا النبتة الأولى في الحرفة التي أصبحت هواية فيما بعد..
لم يأخذ حنا وقتًا طويلاً في التدريب على النحت، وخرج بعدها ومن معه ليعلم أبناء قريته، وكانت النتيجة أن تحولت القرية من حينها - كبيرها وصغيرها - إلى ورشة كبيرة ممارسة لتلك الهواية التي تحولت إلى حرفة فيما بعد، حيث خرجت من بين طيات أناملهم إبداعات فنية غير مسبوقة الشكل.
وكأن القدر كان يكافئ أبناء القرية، فكما يقول هاوي النحت في الخشب: استطاع النحاتون - إلى الآن - الحصول على خشب «السرسوع» بسهولة ويسر، وذلك لقرب مصدره كوم أمبو، إحدى قرى أسوان، من القرية، وهي البلدة الوحيدة التي بها هذا النوع من الخشب الذي يتميز بجمال الشكل والملمس وسهولة التشكيل، إضافة إلى ثقله وكبر حجمه وألوانه التي لا تتأثر بعوامل التعرية.
خشب السرسوع
والسرسوع من الأخشاب التي تحتاج إلى فترة زمنية كبيرة حتى تجف قد تصل إلى أربع سنوات، بالإضافة إلى الأماكن الكبيرة والواسعة لتخزينه، وكما يقول هاوي النحت على الخشب دائما ما يوضع في مكان كبير ليس له سطح حتى يتعرض للشمس شديدة الحرارة، وهو ما تتميز به القرية، لافتا أن هذه الطريقة في تخزينه من أفضل الطرق للحفاظ عليه حتى لا يتعرض بعد ذلك للكسر، بل يعطي التحفة الفنية قوة وقدرة على البقاء لفترة أطول.
لكن ليس هذا النوع النادر من الخشب فقط هو الذي يستخدم في النحت، بل هناك أنواع أخرى طبيعية جيدة، منها خشب البلوط الذي يتميز بالقوة مع المرونة، وخشب الجوز الذي يتميز بجمال أليافه ويعد من أفضل الأنواع في النحت عليه نظرًا لجودة أليافه، وعلى نفس الشاكلة يأتي خشب الزان وهو من الأنواع المفضلة لي لأنه سهل التشكيل
0 تعليقات
شاركنا تعليقك، وتذكر انك محاسب امام الله على ما تكتبه