طاحون حجازة القديم

الطا حون مكان عميق الجذور وممتد فى تاريخ المكان انها طاحونة حجازة الرئيسية عمرهـا يقارب المائة عام كانت فى يوم من الايام قلب نابض بالخير عندما كان الخير يزرع بارضنا قبل ان ياتينا القمح الفاسد والدقيق المسمـــوم مكائنها ما زالت تعمل حتى الان لانها من زمن الشرف والاتقان كل يوم فى الساعة الثامنة صباحا يدق ناقوسها معلنا بدء العمل( ولا عمـل) فقد انتهى زمن القمح لكن الطاحون ما زالت تطلق ناقوسها لتذكر الناس بالخير, حكايـــــات وحكايات تحكيها الجدات والامهات عن هذا المكان وعن الذكريــــات فكم بنت خطبت هناك  وكم
من ولد جاء يحمل القمح وعاد بدقيق الزفاف عندما تدخلها ستلاحظ اول شئ مبناها فهو مبنى على الطريقة الانجليزية حيث الشبابيك الكبيرة التى فى حجم الابواب وجدرانها المبنية بالطوب اللبن وباستخدام الجــــير وستلاحظ ارتفاع سقفها ووجود مصادر تهوية بالسقف الى جانب ان السقف يميل بزاوية حـــــــادة حتى لا يتجمع المطر فوقه فى حالة الامطار الشديدة ستلاحظ ايضا وجود باب مقابل باب الدخول وهو عبارة عن مكتب كان لصـاحب الطاحــون مؤثث باثاث خشبى لـم يفقد لمعـــانة ولا متانته حتى الان وهو ايضـــــــا اثاث على الطريقة الانجليزية ويوجد بها تليفون اسود قديم بقرص دوار مـــازال يعمل للان, غير انهم استبدلوه بتليفون اظهار رقم, وستلاحظ عن يمين الباب وجود حمام قديم يعمل بنظام الصرف الصحى الفخارى بمواسير مصنوعة من الفخار, وفيه اعجب سيفون رايته مكون من كرة من القماش مربوطة بسلسلة من الحديد مثبتة على حوض طلمبة سوداء قديمة انجليزية الصنع ايضا ما زالت
تعمل بكفاءة وبمجرد جذب السلسلة يندفع الماء لتنظيف الحمام بالكامل مستفيدين من ما تراكم فى حوض الطلمبة من ماء زائد وفى اعلى المكتب توجد شقة كانت سكن لاصحاب الطاحون مبنية ايضا على الطراز الانجليزى بشبابيك على الساحة الخارجية لكى يتسنى لرب العمل متابعة العمل وهو جالس فى غرفته وامام باب المكتب ستلاحظ غرف قديمة


مهجورة هذه الغرف كانت استراحات للسيدات واستراحات للركائب ويوجد بها احواض ماء لشرب الدواب واماكن لوضع العلف وتوجد بجوارها غرفة كانت حمام للزبائن ومسقى كانت توضع فيه ازيار المياة(جمع زير)لكى يشرب منها الزبائن والعملاء وبعد انتهاء رحلتك فى الساحة الخارجية ستدخل الى الداخل لتجد على يمينك صندوق هذا الصندوق هو مكان الميزان وهذا الميزان توزن عليه الحبوب ليتم تسعيرها بالوزن وبفاتورة مكتوبة وعلى نفس هذا الميزان ووزن قمح جدك ووالدك فهو ميزان قديم وهذا الميزان يشهد حركة رواج يوم الجمعة والاربعاء حيث تجد طوابير المواليد الصغار الذين جاؤا بهم اهلهم لكى يوزنوا على ميزان الطاحون والحصول على ورقة بالوزن هذه الورقة يتم تخريمها وحرقها فى بخور بعد صلاة الجمعة لشفاء الاطفال من الحسد والعين وقة النوم والتثاؤب ويوجد بداخل الصندوق رجل عجوز هذا
الرجل هو صراف الطاحون ومديرها وهو يتقاضى راتب لا يتعدى 100جنيه وياتى يوميا من مدينة قوص فى الساعة السابعة صباحا ويغادر مساءا فى الساعة الخامسه بانتظام غريب على مدار سنوات طويلة وبعد الوزن تصعد للاعلى حيث الضجة والاقماع الكبيرة وحيث احجار الطاحونة الحانية وهناك ستجد رجلين يعملان بكفاءة عجيبة والاعجب انهم يتقاضون رواتب لا تتعدى ثمانون جنيه لكل واحد منهم وهم هنا فى هذا المكان من زمن بعيد لم يكلوا ولم يتعبوا وهناك تشم رائحة الدقيق الساخن وترى صفائح الخير ترمى الدقيق الابيض فى كيسك, بدقة وانتظام وموسيقية الاحجار لم يتحشرج صوتها رغم انها شاخت وهرمت ثم ستلاحظ ان ارضية المكان مصنوعة من الخشب وكذلك الاسوار وبطانة الاحجار وهى انواع من الخشب عالية الجودة رغم مرور كل هذه السنوات فهى لم تخدش او تتمرد وستلاحظ وانت بالاعلى وجود طاقة او شباك صغير يطل على بدروم الطاحون وعلى المعدات بالداخل وعند نزولك السلم ستجد باب يؤدى بك الى بدروم الطاحون وهناك ستجده!!!
انه رجل اسود حالك السواد اسمه الاسطى(عليه رحمة الله) وهو ميكانيكى الطاحون واسمه ليس الاسطى ولكن هذا اسم يطلق على جميع ميكانيكية الطواحين فى مصر من القاهرة الى اسوان والكاتب يوسف ادريس له


قصة تتحدث عن اسطى طاحون يقول فيها ان الاسطى اسم لهم جميعا!!! و هناك فى الاسفل ستجد الرعب والصداع حيث التربينات تعمل بقوة ضغط عالية وهذا المكان خطر على الاطفال لهذا كان الاسطى دائما متجهم الوجه عابس حتى يرعب الاطفال فيخافوا منه وكانت الامهات قديما تحكى لنا عن وجود عفريت يسكن قاع الطاحون وانهم يذبحون الاطفال على حجر الطاحون ليرضى عنهم الجان ومن هنا كبرنا كارهين ومرعوبين من صوت الطاحون ومنظر المكائن ومن الاسطى نفسه, وبعد خروجك من غرفة المكائن ستجد امامك حديقة داخلية كانت خاصة بصاحب الطاحون مزروعة باشجار التين والليمون والرمان والعنب ويوجد على الطاحون حارس ليلى براتب ايضا زهيد وقديما كانت الطاحون تعمل بقوة وازدحام شديد جدا قبل توفر الدقيق المعبأ وكان لها دور اخر فيحكى الاقدمون انه لم يكن حولها بيوت بل اراضى زراعية فجميع بيوت ال عيت الله والهداليل والنصارى وهكذا حتى تصل الى
مكتبة المنار كانت ارضى زراعية وكانت تسقى بواسطة قناة تمر اسفل الطاحون وكانت مكائن الطاحون السفلية تقوم بدور الرفع وتسقى كل مساحات الاراضى التى حولها بالتعاون مع شقيقتها الطاحون الاخرى ولمن لا يعرف فهناك طاحون مهجورة توجد خلف مسجد الجواهر وهى مهجورة تماما منذ زمن بعيد والاشاعاتقوية بانها مسكونة باشباح وارواح ولهذا يتجنبها الجميع وكما انها مبنية على الطريقة الانجليزية ومعداتها انجليزية فان موظفيها عاداتهم انجليزية فهم فى منتهى الدقة فى مواعيد العمل ونظام العمل رغم انه( لاعمل لديهم) لكنهم يحضرون فى مواعيدهم بانتظام مستفز منذ سنوات بلا ملل وبالعودة الى الطاحون الاصلية فهى طاحون يملكها رجل من قوص اصوله من حجازة وهو الجد لعائلة معروفة ومشهورة وهذه الطاحون دخلها اليومى الان لا يتعدى عشرة الى خمسة عشر جنية ومجموع مصروفاتها الشهرية من رواتب وكهرباء ومياه يتعدى سبعمائة جنية اذا فهى مشروع خاسر تماما!!! ولو عرفنا ان ارضها تمليك وسعر القيراط فيها وصل الى خمسين الف جنية علما بان
مساحتها الكلية اكثر من ثلاثة افدنة فلو باعوها ارض لحصدوا من ورائها ثروة طائلة الى جانب ان المكائن معروض فيها سعر ممتاز فهى



مكائن تاريخية ولها زبون يعرف قيمتها لكنهم لا يريدون ذلك انهم يريدون ان يظل اسمهم باقى بين عمومتهم وانت تظل الطاحون تاريخ لحجازة وتاريخ لهم يدل على جمال الزمان وعبق المكان والارواح الهائمة فى فلك الذكرى تتنفس ذرات الماضى

إرسال تعليق

0 تعليقات